أصغر سجين
محمد البقمي
احذر لسانك أن تقول فتبتلى *** إن البلاء موكل بالمنطق
لعلك تساءلت - أخي الشاب - وحدثتك نفسك ؛ من هو أصغر سجين في العالم ؟؟
- نترك الجواب لابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - حيث يقول : ما شيءٌ أحق بطول حبسٍ من لسان . فلعك عرفت أصغر و أخطر سجين في العالم ..
- اللسان هو تلك العضلة التي وراءها كل معضلة .. يقول فيه الحبيب - صلى الله عليه وسلم - : ( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ) [ أخرجه البخاري ] ..
فالحبيب - عليه الصلاة والسلام - ما ضمن لنا الجنة من أمر يسير بل هو والله شاقٌ عسير ولكن ليس إلا على أصحاب النفوس الضعيفة .. ثم هو في الوقت نفسه يسير على من يسره الله عليه و إن شئت فقل إن ضبطه سهلٌ ممتنع ؛ يوفق الله إليه مَن شاء مِن عباده ..
وقد قيل قديما : { اللسان عضو صغير يكشف به الأطباء عن أمراض الجسد والحكماء عن أمراض النفس } ..
- يروى أن المغيرة بن شعبة قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : أنا بخير ما أبقاك الله ؛ فقال عمر : أنت بخير ما اتقيت الله .. فانظر - بارك الله فيك - إلى ضبط اللسان ، واختيار الألفاظ ، وإلجام النفس بلجام التقوى والحزم ، فلله در الهمم ..
- يقول الحق تبارك وتعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ؛ قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره (7/398) لهذه الآية : [ وقد اختلف العلماء : هل يكتب الملك كل شيء من الكلام ؟ وهو قول الحسن وقتادة ، أو إنما يكتب ما فيه من ثواب وعقاب ؟
وهو قول ابن عباس ، على قولين ؛ وظاهر الآية الأول ، لعموم قوله : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ] ..
و أخرج أحمد بإسناده عن بلال بن الحارث – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه " ( صححه الألباني في السلسلة الصحيحة : 2 / 579 )
؛ فكان علقمة يقول : كم من كلامٍ قد منعنيه حديث بلال بن الحارث .
قلت : وصدق الأول إذ يقول :
كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تخاف لقاءه الشجعان
ويقول الآخر في نفس المعنى :
يصاب المرء من عثرة بلسانه *** وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
- ثم تأمل بورك فيك أخي الشاب في ميزان الكلام الذي يحدثنا عنه ابن مسعود - رضي الله عنه - حيث يقول : ( من كان كلامه لا يوافق عمله فإنما يوبخ نفسه ) ، فاعرض ما تقوله على هذا الميزان واختبر نفسك ، وزِن كلامك ..
ومضة :
أصعب من علم الكلام فنُّ الصمت ..